د. تمام عودة عبد هللا العساف كلية الشريعة الجامعة األردنية عمان المملكة األردنية الهاشمية

Transcription

1 متعة الطالق وعالقتها بالتعويض عن الطالق التعسفي د. تمام عودة عبد هللا العساف كلية الشريعة الجامعة األردنية عمان المملكة األردنية الهاشمية تاريخ االستالم تاريخ القبول الملخص: لم يختلف الفقهاء في مشروعية المتعة إذ إن اإلجماع متحقق على مشروعيتها ومستند هذا اإلجماع اآليات الكريمة التي نص ت على المتعة في سورة البقرة واألحزاب وإنما وقع االختالف في درجة المشروعية على قولين: األول: أنها مستحبة لكل مطلقة وال تجب على أحد سواء سم ي المهر للمطلقة أم لم يسم حصل الدخول أم لم يحصل. القول الثاني: واجبة واختلف أصحاب هذا القول ألي المطلقات تجب على ثالثة أقوال أحدها أنها واجبة لكل مطلقة والثاني أنها تجب لكل مطلقة إال المطلقة التي فرض لها صداقا ولم يمسها فإنه يجب لها نصف ما فرض والثالث أنها تجب فقط للمطلقة قبل الدخول إذا لم يسم لها مهرا. كما اختلف العلماء في مقدار المتعة واألساس المعول عليه في تقديرها هل هو حال الزوج أم الزوجة. وقد قمت بدراسة األقوال الفقهية ومستندها الشرعي وتوصلت إلى أن المتعة تجب لكل امرأة يطلقها زوجها بدون رضاها أو برضاها وطلب منها ولكن إليذاء وضرر من قبل الزوج سواء أتم الدخول بها أم لم يتم وتناط صالحية تقدير المتعة بالقاضي على حسب ما لح ق المطلقة من ضرر مادي أو معنوي بشرط أن ال تزيد عن نصف مهر المثل. الكلمات الدالة: الطالق متعة الطالق. رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 131 2

2 132 متعة الطالق وعالقتها بالتعويض عن الطالق التعسفي ( ) المقدمة: أهمية البحث: لم ا كان الطالق الذي فيه انحالل ع رى رباط الزوجية من أبغض الحالل إلى هللا يلمس كل ذي بصيرة المحترزات التي حف ها هللا جل شأنه به - وما ذلك إال لتضييق دائرته والحد منه وعدم اللجوء إليه إال لدفع مفسدة أكبر من المصلحة المتحققة من بقاء عقد الزواج - وذلك لما ينجم عن الطالق من ضرر مادي ومعنوي بليغ وإن كان هذا األذى الحق بكال الزوجين إال أن واقع الحال شاهد أنه أشد وطئة وإيالما في حق المرأة منه في حق الرجل لذلك شرع الباري عز وجل العليم ببواطن النفوس ومكامن تأثرها المتعة جبر ا لما لحق بالمطلقة من كسر وأذى مادي ومعنوي. ولم ا كانت المتعة وأحكامها مما تخفى على النساء وال يتم تسليط الضوء عليها في خطب الجمعة ودروس الوعظ واإلرشاد وشتى وسائل اإلعالم يشهد لما قلته ما ذكره فقهاء الشافعية إن وجوب المتعة مما يغفل عنه النساء فينبغي تعريفهن إياه وإشاعته بينهن ليعرفن ذلك )1(. وألجل ما سبق كان هذا البحث محاولة لسبر غور جزئيات متعة الطالق ببيان أقوال السلف الصالح والفقهاء فيها للتوصل للقول الموافق للحكمة من تشريعها. مشكلة الدراسة: تحاول هذه الدراسة اإلجابة عن التساؤالت التالية: * ما المرتكز الشرعي الذي تستند إليه متعة الطالق * ما درجة مشروعية متعة الطالق * ما المقصد الشرعي الذي تحققه متعة الطالق * ما األسباب التي أوجبت اختالف الفقهاء في درجة مشروعية متعة الطالق * ما موقف قوانين األحوال الشخصية من متعة الطالق الدراسات السابقة: لم يخل كتاب فقهي قديم من تناول متعة الطالق بالبحث كذلك عنيت كتب األحوال الشخصية المعاصرة بمتعة الطالق والتعويض عن الطالق منها: - مدى حرية الزوجين في الطالق في الشريعة اإلسالمية د. عبد الرحمن الصابوني ط األحوال الشخصية د. محمد أبو زهرة مطبعة أحمد مخيمر - الفقه اإلسالمي وأدلته أ.د.وهبة الزحيلي ط 4 معدلة 2004 دار الفكر دمشق. - األحكام الشرعية لألحوال الشخصية زكي الدين شعبان منشورات جامعة قات يونس بنغازي ط دراسات في أحكام األسرة محمد بلتاجي ط دراسات في فقه األسرة د. علي أبو البصل ط م دار القلم اإلمارات. - متعة الطالق وعالقتها بالتعويض عن الطالق التعسفي للقاضي زياد ذياب دار الينابيع 1992 عمان. كما ك تبت رسائل ماجستير في هذا الشأن منها: - رسالة الماجستير المقدمة في الجامعة األردنية من الطالب توفيق أبو هاشم بعنوان متعة الطالق وعالقتها بالتعويض عن الطالق التعسفي ونوقشت في عام 1990 م. - رسالة الماجستير المقدمة في الجامعة األردنية من الطالبة ريحانة أزهري بعنوان الحقوق المالية رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

3 د. تمام عودة عبد هللا العساف ( ) للمرأة الناشئة عن الطالق في الفقه وقوانين األحوال الشخصية ونوقشت في عام 1992 م. منهجية البحث: اعتمدت الدراسة على المنهج العلمي القائم على االستقراء والتحليل واالستنتاج حيث قمت بما يلي: * تتبع األقوال الفقهية في المسألة واستقائها من مراجعها األصلية بالرجوع إلى أم ات الكتب المعتمدة في كل مذهب. واالستدالل لكل قول مع مناقشة ما استندوا إليه من األدلة. * تحليل األقوال في المسألة وإمعان النظر فيها على ضوء الحكمة من تشريع متعة الطالق وما تحققه من مصالح شرعية. * الوقوف على األساس الذي استند إليه المطالبون بالتعويض عن الطالق التعسفي. وقد جاءت سطور هذه الدراسة في ثالثة مباحث ينضوي فيهما عدة مطالب بيانها كاآلتي: المبحث األول: تصوير المسألة محل البحث متعة الطالق المبحث الثاني: التكييف الشرعي لمتعة الطالق. المبحث الثالث: التعويض عن الطالق التعسفي. المبحث األول: تصوير المسألة محل البحث متعة الطالق وفيه المطالب التالية: المطلب األول: التعريف بمفردات البحث أوال : تعريف المتعة لغة واصطالح ا. المتعة لغة: م ت ع الم ت اع السلعة وهو أيضا المنفعة وما تمتعت به وقد م ت ع به أي انتفع والم تاع : المال واأل ثاث والجمع أ م تعة واالسم الم ت ع ة ومنه متعة الحج ألنها انتفاع )2(. المتعة اصطالح ا:تباينت تعاريف الفقهاء للمتعة تبع ا لتفاوت حكمها عندهم فعر فها الحنفية بأنها ما يجب بعد الطالق قبل الدخول في نكاح ال تسمية فيه خلفا عن مهر المثل الذي كان واجبا قبل الطالق بدال عن الملك الواقع بالعقد للرجل على المرأة في الحالين جميعا )3(. يظهر أن التعريف يحصر وجوب المتعة لمن ط ل قت قبل الدخول ولم يسم لها المهر. كما أنه يعلل سبب استحقاق المطلقة للمتعة بأنه تعويض وخلف عن مهر المثل الثابت للمطلقة لو لم يقع الطالق. كذلك ي بين التعريف عن الغاية من استحقاق الزوجة للمهر وهي الملك الواقع بالعقد. أم ا المالكية فقد عر فوا المتعة بأنها ما يؤمر الزوج بإعطائه الزوجة لطالقه إياها )4(. وهذا التعريف ينسجم مع الحكم الشرعي للمتعة الذي تبنوه من ناحية إطالق استحقاق المتعة لكل مطلقة من غير قصره على صنف بعينه إال أن قولهم ما يؤمر الزوج بإعطائه ينافي قولهم أن المتعة مندوبة لسائر المطلقات ال على جهة اللزوم فكان األولى أن يقولوا ما يندب الزوج عوضا عن قولهم: ما يؤمر. وعر ف الشافعية المتعة بأنها مال يجب على الزوج لمفارقة بشروط )5(. أقول: تعريفهم موجز مجمل يثبت حقا ماليا للمطلقة التي طلقت بسبب من قبل الزوج ألنهم أثبتوا ذلك في التعريف إال أنهم قيدوها بشروط فعلى قولهم في القديم تثبت للمطلقة قبل الدخول التي لم يسم لها المهر أو لم تصح تسميته وعلى الجديد تثبت لكل مطلقة. والمراد بالمتعة عند الحنابلة ما يجب لحرة أو سيد أمة على زوج بطالق قبل دخول لمن لم رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 133 2

4 134 متعة الطالق وعالقتها بالتعويض عن الطالق التعسفي ( ) يسم لها مهر صحيح مطلقا أي: سواء كانت مفوضة بضع أو مفوضة مهر أو مسمى لها مهر فاسد )6(. ومعلوم أن هنالك تعددا في األقوال عند الحنابلة فيمن تجب لها المتعة من المطلقات إال أن التعريف قصر وجوب المتعة للمطلقة قبل الدخول التي لم يسم لها المهر. وبإمعان النظر في كالم ابن حزم يتبين أنه يقصد بالمتعة: ما ألزمه هللا تعالى على قدر اليسار واإلقتار على م طل ق واحدة أو اثنتين أو ثالثا وطئها أو لم يطأها فرض لها صداقها أو لم يفرض لها شيئا وكذلك المفتدية وال متعة على من انفسخ نكاحه منها بغير طالق )7(. وبهذا ي ثبت التعريف المتعة لكافة أصناف المطلقات الرجعية والبائنة من س مي لها المهر أو لم يسم سواء أكان سبب الطالق من قبل الزوج أو الزوجة إال أنه يخرج من انفسخ نكاحها بغير طالق فهذه ال متعة لها. التعريف المختار للمتعة: عر ف الشيخ الزرقا المتعة بأنه المال الذي يدفعه الزوج لزوجته التي طلقها غير المهر )8( ويشمل تعريف الشيخ الزرقا كافة أصناف المطلقات فكل مطلقة بفرقة من قبل الزوج تجب لها المتعة بمعزل عن استحقاقها للمهر. وهذا التعريف يتفق مع حكم المتعة الذي توصل إليه البحث. ثاني ا: تعريف الطالق لغة واصطالحا: الطالق لغة: يقال أطلقت الناقة أي: حل عقالها وطالق المرأة بينونتها عن زوجها )9(. أما اصطالحا فهو: رفع القيد الثابت شرعا بالنكاح )10(. المطلب الثاني: حكمة مشروعية المتعة. يذهب بعض الفقهاء إلى أن المطلقة تستحق المتعة عند فقد شيء من المهر لعلة أن البضع ال يخلو من بدل قبل الطالق وبعده فلما لم يجب المهر وجبت المتعة ولما استحقت بدال آخر لم يجب أن تستحقها )11(. فالمطلقة تستحق المتعة في مقابل اختصاص الرجل بإيقاع الطالق بإرادته المنفردة )12(. ويظهر أن هذا الفريق من العلماء يلتفت إلى الجانب المادي الذي فقدته المرأة بالطالق لذلك أوجب المتعة لبعض األصناف دون بعض. في حين ينحو بعض العلماء إلى االلتفات إلى الجانب النفسي للمطلقة. فيرى أن الحكمة المتوخاة من تشريع متعة الطالق قصد التعويض والترضية والتعزية للمطلقة من حيث أن الطالق مر محض فاقتضت حكمة هللا تخفيف وقعه بذلك. وفي هذا تمام البر والرأفة بالمرأة. وهو الملحوظ في التشريعات الربانية )13(. إال أن هنالك جانبا آخر من جوانب الحكمة من مشروعية متعة الطالق قصده الشارع الحكيم وهو درء للشبهات التي قد تدور حول المطلقة يقول محمد رشيد رضا إن في الطالق غضاضة وإيهاما للناس أن الزوج ما طلق زوجته إال وقد رابه منها شيء فإذا هو متعها متاعا حسنا تزول هذه الغضاضة ويكون هذا المتاع الحسن بمنزلة الشهادة بنزاهتها واالعتراف بأن الطالق كان من قبله أي لعذر يختص به ال من قبلها أي لعلة فيها ألن هللا تعالى أمرنا أن نحافظ على األعراض بقدر الطاقة. فجعل هذا التمتيع كالمرهم لجرح القلب لكي يتسامع به الناس فيقال: إن فالنا أعطى فالنة كذا وكذا فهو لم يطلقها إال لعذر وهو آسف عليها معترف بفضلها ال أنه رأى عيبا فيها أو رابه شيئا من أمرها )14(. وقد تكون المتعة من باب التدابير الشرعية للحد من الطالق ألن من الناس من ال يردعه إيمانه والخوف من عقاب هللا تعالى فإذا عرف أن هناك تبعات مالية ومنها المتعة قد يكون ذلك رادعا له بعدم إيقاع الطالق )15(. المطلب الثالث: تحرير محل النزاع. رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

5 د. تمام عودة عبد هللا العساف ( ) - 1 اتفق الفقهاء )16( على مشروعية المتعة للمطلقات من الن ساء لقوله تعالى: و ل ل م ط ل ق ات م ت اع ب ال م ع ر وف ح ق ا ع ل ى ال م ت ق ين. )البقرة: 241( الشاهد من اآلية الكريمة: أن اللفظ عام يشمل كافة أصناف المطلقات ولقوله تعالى: ال ج ن اح ع ل ي ك م إ ن ط ل ق ت م الن س اء م ا ل م ت م س وه ن أ و ت ف ر ض وا ل ه ن ف ر يض ة و م ت ع وه ن ع ل ى ال م وس ع ق د ر ه و ع ل ى ال م ق ت ر ق د ر ه م ت اع ا ب ال م ع ر وف ح ق ا ز و اج ك إ ن ك ن ت ن ت ر د ن ال ح ي اة ع ل ى ال م ح س ن ين )البقرة: 236( ولقوله تعالى: ي ا أ ي ه ا الن ب ي ق ل أل س ر ح ك ن س ر اح ا ج م يال )األحزاب: 28( الشاهد من اآلية الد ن ي ا و ز ين ت ه ا ف ت ع ال ي ن أ م ت ع ك ن و أ الكريمة أن النبي عليه الصالة والسالم كان قد دخل بهن فدل على أن المتعة مستحبة في هذه الحالة. - وتروي السيدة عائشة رضي هللا عنها أ ن ع م ر ة ب ن ت ال ج و ن ت ع و ذ ت من رسول هللا س ام ة أو أ ن س ا صلى هللا عليه وسلم - حين أ د خ ل ت عليه فقال: لقد ع ذ ت ب م ع اذ ف ط ل ق ه ا و أ م ر أ ف م ت ع ه ا ب ث ال ث ة أ ث و اب ر از ق ي ة ) 17 (. وقد مت ع عبد الرحمن بن عوف امرأة له بجارية سوداء ثمنها ثمانون دينارا كما أن الحسن بن علي متع امرأته بعشرة آالف درهم فقالت: متاع قليل من حبيب مفارق )18(. ومنه يتبين أن المتعة مشروعة بنص القرآن الكريم وفعل الرسول عليه الصالة والسالم والصحابة الكرام رضوان ربي عليهم. - 2 اختلف الفقهاء )19( في درجة مشروعية المتعة للمطلقات هل هي على الوجوب لكافة المطلقات أو هي واجبة لصنف مخصوص مندوبة في حق البقية أو هي على الندب لجميع المطلقات. المطلب الرابع: سبب الخالف في متعة الطالق: يظهر للن اظر في أقوال الفقهاء أن سبب الخالف في الجزئية محل البحث هو ما يلي: - 1 االختالف في داللة األمر في قوله تعالى: و م ت ع وه ن ع ل ى ال م وس ع ق د ر ه و ع ل ى ال م ق ت ر ق د ر ه م ت اع ا ب ال م ع ر وف ح ق ا ع ل ى ال م ح س ن ين )البقرة 236( وقوله تعالى: و ل ل م ط ل ق ات م ت اع ب ال م ع ر وف ح ق ا ع ل ى ال م ت ق ين )البقرة آية 241( هل يدل األمر في اآليتين الكريمتين على الوجوب أو على الندب. كذلك كان لفواصل اآليتين الكريمتين أثر في االختالف بين الفقهاء فقد اختلفوا في مدى القوة اإللزامية التي يتضمنها قوله تعالى: حق ا على المتقين. وقوله تعالى: حق ا على المحسنين. فمن الفقهاء من رأى أن تذييل اآليات الكريمة بهذه الفواصل فيه أبلغ الداللة على وجوب المتعة لكل مطلقة ومنهم من قصر الوجوب على صنف بعينه وآخرون فهموا منها مجرد المشروعية واالستحباب لجميع أصناف المطلقات واعتبروا لفظ المحسنين والمتقين قرينة صارفة من الوجوب إلى الندب. - 2 تخصيص عموم قوله تعالى: وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين بمفهوم قوله تعالى: ال جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين فمن قال بالتخصيص قصر الوجوب على بعض األصناف ومن أجرى النص على عمومه اعتبر التنصيص على بعض أصناف المطلقات من باب ذكر بعض أفراد العموم على جهة العناية واالختصاص لذا فهي غير مفيدة للتخصيص. المبحث الثاني: مذاهب الفقهاء في تقرير مشروعية متعة الطالق ومقدارها. المطلب األول: مذاهب الفقهاء وأدلتهم في حكم متعة الطالق وفيه المسائل التالية: رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 135 2

6 136 متعة الطالق وعالقتها بالتعويض عن الطالق التعسفي ( ) المسألة األولى: قول الحنفية والحنابلة ومستندهم الشرعي. ذهب الحنفية )20( والحنابلة )21( إلى وجوب المتعة لمن ط لقت قبل الدخول ولم ي سم لها مهر أو س مي ولم تصح تسميته من جميع الوجوه أما ما سواها من أصناف المطلقات فإن المتعة م ستحبة لهن غير واجبة وهو قول الثوري والحسن بن حي واألوزاعي وأبي ثور )22(. وحكم المتعة الذي انتهى إليه الحنفية والحنابلة يشمل كل فرقة من قبل الزوج لم تشاركه الزوجة بها طالقا كانت أو فسخا أما الفرقة التي كانت بسبب من الزوجة فال متعة لها ال وجوبا وال استحبابا )23(. واستدلوا على وجوب المتعة لمن ط لقت قبل الدخول ولم ي سم لها مهر بما يلي: أوال - ق و له ت ع ال ى: ال ج ن اح ع ل ي ك م إن ط ل ق ت م الن س اء مالم ت م س وه ن أو ت ف ر ض وا ل ه ن ف ر يض ة و م ت ع وه ن على ال م وس ع ق د ر ه و ع ل ى ال م ق ت ر ق د ر ه م ت اع ا ب ال م ع ر وف ح ق ا على ال م ح س ن ين )البقرة: 236( وقوله ت ع ال ى: يا أ ي ه ا ال ذ ين آم ن وا إذ ا ن ك ح ت م ال م ؤ م ن ات ث م ط ل ق ت م وه ن من ق ب ل أ ن ت م س وه ن فما ل ك م ع ل ي ه ن من ع د ة ت ع ت د ون ه ا ف م ت ع وه ن و س ر ح وه ن س ر اح ا ج م يال وقوله تعالى: و ل ل م ط ل ق ات م ت اع ب ال م ع ر وف ح ق ا على ال م ت ق ين )البقرة: 241( فقد دل ت اآليات الكريمة على وجوب المتعة من وجوه: األول: ق و له ت ع ال ى ف م ت ع وه ن فهذا أمر واألمر يقتضي الوجوب حتى تقوم الداللة على الندب وال يعارضه قوله حقا على المحسنين ألن أداء الواجب من اإلحسان )24(. الث ان ي: ق و له ت ع ال ى م ت اع ا ب ال م ع ر وف ح ق ا على ال م ح س ن ين ت أ ك يد إل يج اب ه إذ ج ع ل ه ا من ش ر ط ح س ان و ع ل ى كل أ ح د أ ن ي ك ون من ال م ح س ن ين. اإل الثالث: قوله تعالى ح ق ا على ال م ت ق ين قد د ل قوله ح ق ا على الوجوب وقوله تعالى ح ق ا على ال م ت ق ين تأكيد إليجابها. الرابع: ق و له ت ع ال ى و ل ل م ط ل ق ات م ت اع ب ال م ع ر وف يقتضي الوجوب ألمرين: - أوالهما: أثبتت اآلية الكريمة المتعة للمطلقات وما كان لإلنسان مما هو مختص به فهو حقه تثبت له المطالبة به )25(. - ثانيهما: شرط وجوب المتعة للمطلقة متعلق بالمعنيين معا عدم المسيس وعدم التسمية )26( للمهر ثانيا: تستحق المطلقة المتعة عند فقد شيء من المهر لعلة أن البضع ال يخلو من بدل قبل الطالق وبعده فلما لم يجب المهر وجبت المتعة ولما استحقت بدال آخر لم يجب أن تستحقها )27(. ثالثا: إن المتعة تجب خلفا عن مهر المثل وال يجمع بين الخلف واألصل بحال وإذا وجب لها المهر الذي هو األصل كله أو بعضه ال تجب المتعة فأما المطلقة قبل المسيس والفرض فهي ال تستوجب شيئا من األصل فتجب لها المتعة )28(. رابعا: إن المدخول بها تستحق جميع المهر على زوجها فال تستحق المتعة مع ذلك كالمتوفى عنها زوجها ألن النكاح حق معاوضة وبعد تقرر الفرض ال حاجة إلى شيء آخر )29(. واستدلوا على استحباب المتعة لبقية األصناف من المطلقات بما يلي: ز و اج ك إ ن ك ن ت ن ت ر د ن ال ح ي اة الد ن ي ا و ز ين ت ه ا ف ت ع ال ي ن أ م ت ع ك ن أوال: قوله تعالى ي ا أ ي ه ا الن ب ي ق ل أل و أ س ر ح ك ن س ر اح ا ج م يال )األحزاب: 28( الشاهد من اآلية الكريمة: أن النبي - عليه الصالة والسالم - كان قد دخل بهن فدل أن المتعة مستحبة في هذه الحالة )30(. ثانيا: قوله تعالى: ال ج ن اح ع ل ي ك م إ ن ط ل ق ت م الن س اء م ا ل م ت م س وه ن أ و ت ف ر ض وا ل ه ن ف ر يض ة و م ت ع وه ن ع ل ى ال م وس ع ق د ر ه و ع ل ى ال م ق ت ر ق د ر ه م ت اع ا ب ال م ع ر وف ح ق ا ع ل ى ال م ح س ن ين )البقرة: 236( فقد قس م رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

7 د. تمام عودة عبد هللا العساف ( ) هللا تعالى المطلقات قسمين وأوجب المتعة لغير المفروض لهن ونصف المسمى للمفروض لهن وذلك يدل على اختصاص كل قسم بحكمه )31(. ثالثا: المتعة عوض واجب في عقد يتضمن معنى المعاوضة فإذا س م ي في عقد النكاح عوض صحيح لم يجب غيره كسائر عقود المعاوضات وألجل ذلك تعين حمل األمر في قوله تعالى و م ت ع وه ن على االستحباب أو على أنه أريد به الخصوص )32(. ويعترض عليهم بما يأتي: * لقد بنيتم دليلكم في وجوب المتعة للمطلقة قبل الدخول ولم ي سم لها مهر أو س مي ولم تصح تسميته من جميع الوجوه على داللة األمر في اآليتين الكريمتين والمستفاد من قوله تعالى ف م ت ع وه ن باإلضافة إلى تذييل اآليتين الكريمتين بقوله تعالى: حقا على ال م ح س ن ين وقوله تعالى: ح ق ا على ال م ت ق ين. وهذا ال يسلم لكم ألن المراد بالحق الثابت المقابل للباطل والمندوب متحقق فيه هذا المعنى كما أن األمر المستفاد من اآليتين الكريمتين على الندب بقرينة التقييد بالمحسنين والمتقين ألن الواجبات ال تتقيد بهما )33(. * ال تضاد وال تنافي بين اجتماع المهر والمتعة للمطلقة ألن الحكمة التي ألجلها شرع هللا المهر ال تنافي المتعة التي غايتها جبر الخاطر وتحقيق اإليناس للمطلقة وترميم ما قد لحقها من أذى معنوي. المسألة الثانية: قول المالكية ومستندهم الشرعي. ذهب المالكية )34( والشافعية )35( في القديم إلى أن المتعة ال تجب ألي من المطلقات وإنما هي على الندب واالستحباب وهو قول الليث بن سعد والحكم وابن أبي ليلى وإحدى الروايتين عن أبي عبيد والقاضي شريح )36(. واستثنى المالكية من هذا الحكم بعض المطلقات فال تستحب لها المتعة وهن المطلقة قبل الدخول التي سمي لها مهر ألن الشرع أوجب لها نصف الصداق )37( والمالعنة والمختلعة )38( ألن من اختارت فراق زوجها لم تشفق لذلك وال حزنت له فال يحتاج الزوج إلى تسليتها وتطييب نفسها )39(. واستدلوا لما ذهبوا إليه بما يلي: أوال: إن هللا تعالى قال فيها حقا على المحسنين أي على المتفضلين المتجملين وما كان من باب اإلجمال واإلحسان فليس بواجب )40( وقال تعالى حقا على المتقين ولو كانت واجبة ألطلقها على الخلق أجمعين فتعليقها باإلحسان وليس بواجب وبالتقوى وهو معنى خفي دل على أنها على االستحباب يؤكده أنه قال تعالى في العفو عن الصداق وأن تعفوا أقرب للتقوى )البقرة: 237( فأضافه إلى التقوى وليس بواجب وذلك أن للتقوى أقساما منها ما هو واجب ومنها ما ليس بواجب )41(. وفي هذا إشارة إلى أنها مستحبة فإن الواجب يكون حتما على المتقين وغير المتقين )42(. وي عترض على دليلهم من وجوه ثالثة: الوجه األول: منع قصر المحسن على المتطوع بل هو أعم منه ومن القائم بالواجبات أيضا ألن القول بوجوب المتعة راجع إلى األمر وال يكون لفظ المحسنين قرينة صارفة إلى الندب ألن المحسن أعم من المتطوع والقائم بالواجب ف ال ينافي الوجوب مع ما انضم إليه من لفظ حقا )43(. الوجه الثاني: أن ذكر المتقين والمحسنين تأكيد لوجوبها وليس تخصيصهم بالذكر نفيا لغيرهم وقوله تعالى حقا على المتقين و حقا على المحسنين غير ناف أن يكون حقا على غيرهم رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 137 2

8 138 متعة الطالق وعالقتها بالتعويض عن الطالق التعسفي ( ) أي أن الوفاء بذلك والقيام به شأن أهل التقوى وكل مسلم يجب عليه أن يتقي هللا سبحانه. ن ما كان ندبا ال يختلف الوجه الثالث: ويلزم المالكية على أصلهم هذا أ ن ال يقولوا بندبها كذلك أل فيه المتقون وغيرهم فإذا جاز تخصيص المتقين والمحسنين بالذكر في المندوب إليه من المتعة وهم وغيرهم فيه سواء فكذلك جائز تخصيص المحسنين والمتقين بالذكر في اإليجاب ويكونون هم وغيرهم فيه سواء )44(. ثانيا: إن المتعة لو كانت فرضا واجبا ي قضى به لكانت مقدرة معلومة كسائر الفرائض في األموال فلما لم تكن كذلك خرجت من حد الفرض إلى حد الندب واإلرشاد واالختيار وصارت كالصلة والهدية )45(. وي عترض عليه: كون هللا تعالى ترك أمر تقدير متعة الطالق على حسب حال الزوج فهذا ال ي خرجها من دائرة الوجوب فاهلل تعالى قد وكل التقدير في النفقة إلى االجتهاد وهي واجبة )46(. كما أن المتعة بدل عن نصف المهر ونصف المهر واجب األداء وما يكون بدال للواجب يكون واجبا )47(. المسألة الثالثة: قول الشافعية ومستندهم الشرعي. ذهب الشافعية )48( في الجديد إلى أن المتعة تجب لكل مطلقة ما عدا غير المدخول بها بعد تسمية مهرها يوافقون بهذا قول الحنفية والحنابلة. وفي القديم )49( ال تجب المتعة وإنما تندب وهم بهذا يوافقون قول المالكية في المعتمد. وحكم المتعة الذي انتهى إليه الشافعية يشمل كل فرقة بسبب من الزوج كردته ولعانه أما إذا كانت الفرقة من الزوجة أو بسببها كردتها وإسالمها ولو تبعا أو فسخه بعيبها فال متعة لها سواء كانت قبل الدخول أم بعده ألن المهر يسقط بذلك ووجوبه آكد من المتعة )50(. ويشترط الشافعية في الفرقة الموجبة للمتعة بغير سبب من الزوجة كالطالق )51( وهو قول عبد هللا بن عمر - رضي هللا عنه - )52(. ففي الموطأ أن عبد هللا بن عمر - رضي هللا عنه - كان يقول لكل مطلقة متعة جبرا لما نالها من كسر الطالق إال التي تطلق وقد فرض لها صداق ولم تمس فحسبها نصف ما فرض لها ألنه لم يحصل لها كبير كسر وبضعها باق )53(. واستدلوا لما ذهبوا إليه بما يأتي: أوال: عموم قوله تعالى: و ل ل م ط ل ق ات م ت اع ب ال م ع ر وف ح ق ا ع ل ى ال م ت ق ين )البقرة: 241( وجه الشاهد من اآلية الكريمة: النص عام شامل لجميع أصناف المطلقات إال التي ط لقت قبل الدخول وقد ف رض لها الصداق. **ي عترض عليه بأنا نوافقكم القول بأن النص عام في سائر أصناف المطلقات إال ما خصه الدليل إال أ ن المتاع اسم لجميع ما ينتفع به ومتى ما أوجبنا للمطلقات شيئا مما ينتفع به من مهر أو نفقة فقد قضينا عهدة اآلية فمتعة التي لم يدخل بها نصف المهر المسمى والتي لم يسم لها على قدر حال الرجل والمرأة وللمدخول بها تارة المسمى وتارة المثل إذا لم يكن مسمى وذلك كله متعة وليس بواجب )54(. ز و اج ك إ ن ك ن ت ن ت ر د ن ال ح ي اة الد ن ي ا و ز ين ت ه ا ف ت ع ال ي ن ثانيا: خصوص قوله تعالى: ي ا أ ي ه ا الن ب ي ق ل أل س ر ح ك ن س ر اح ا ج م يال )األحزاب: 28( أ م ت ع ك ن و أ وجه الشاهد من اآلية الكريمة: لم ا نزلت هذه اآلية الكريمة كان عليه الصالة والسالم قد دخل بأزواجه فدل على وجوب المتعة للمطلقات المدخول بهن )55(. رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

9 د. تمام عودة عبد هللا العساف ( ) ** ي عترض عليه باآلتي: * بأنه محمول على أنه تطوع من النبي - صلى هللا عليه وسلم - ال على جهة ثبوت الوجوب عليه صلى هللا عليه وسلم _ )56(. * إن المتعة إنما تجب لجبر كسر المرأة ولإليحاش وألن تطليقها يؤذن بخلل فتقل فيها الرغبات فيجبر ذلك كله بالمتعة )57(. * كون المهر يثبت كامال للمطلقة بعد الدخول ال يقدح وال يؤثر في استحقاقها للمتعة ألن المهر إنما تستحقه الزوجة في مقابلة استيفاء البضع فلم يصح لجبر الكسر الذي لحقها بخالف نصف المهر لمن طلقت قبل الدخول وقد ف رض لها الصداق )58( ألنه لم يحصل لها كبير كسر وبضعها باق )59( فيكفي شطر مهرها لما لحقها من االستيحاش واالبتذال )60(. المسألة الرابعة: قول ابن حزم ومستنده الشرعي. ذهب ابن حزم )61( وابن الحاجب وابن القاسم من علماء المالكية )62( ورواية عند اإلمام أحمد )63( إلى وجوب المتعة لكل مطلقة وهو قول وهو قول علي بن أبي طالب رضي هللا عنه ومن التابعين سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعطاء والحسن البصري وأبو العالية وأبو قالبة وسعيد بن المسيب وابن جرير الطبري وابن شهاب الزهري )64(. واستدل لما ذهب إليه بما يلي: أوال: عموم قوله تعالى: و ل ل م ط ل ق ات م ت اع ب ال م ع ر وف ح ق ا ع ل ى ال م ت ق ين )البقرة: 241( الشاهد من اآلية الكريمة: أن اللفظ عام يشمل كافة أصناف المطلقات. ثانيا: قوله تعالى: ال ج ن اح ع ل ي ك م إ ن ط ل ق ت م الن س اء م ا ل م ت م س وه ن أ و ت ف ر ض وا ل ه ن ف ر يض ة و م ت ع وه ن ع ل ى ال م وس ع ق د ر ه و ع ل ى ال م ق ت ر ق د ر ه م ت اع ا ب ال م ع ر وف ح ق ا ع ل ى ال م ح س ن ين )البقرة: 236( وجه الشاهد من اآليات الكريمة: أن األمر فيها على ظاهره يدل على الوجوب وال ي صرف للندب فال قرينة صارفة له من الوجوب إلى الندب فعم قوله - عز وجل - كل مطلقة ولم يخص وأوجبه حقا لها على كل متق يخاف هللا تعالى )65(. يقول الطبري وأرى أن المتعة للمرأة حق واجب إذا طلقت على زوجها يؤخذ بها الزوج كما يؤخذ بصداقها ال يبرئه منها إال أداؤه إليها أو إلى من يقوم مقامها في قبضها منه أو ببراءة تكون منها له وأرى أن سبيلها سبيل صداقها وسائر ديونها قبله يحبس لها إن طلقها فيها إذا لم يكن له شيء ظاهر يباع عليه إذا امتنع من إعطائها ذلك وإنما قلنا ذلك ألن هللا أمر الرجال أن يمتعوهن وأمره فرض إال أن يبين - تعالى ذكره - أنه عنى به الندب واإلرشاد )66(. ويعترض على ما ذهب إليه ابن حزم ومن وافقه باآلتي: - 1 إن االحتجاج بقوله تعالى: و ل ل م ط ل ق ات م ت اع ب ال م ع ر وف ح ق ا ع ل ى ال م ت ق ين )البقرة: 241( احتجاج صحيح لو لم يكن في المتعة إال هذه اآلية ولكن هللا تعالى يقول في كتابه الكريم: ال ج ن اح ع ل ي ك م إ ن ط ل ق ت م الن س اء م ا ل م ت م س وه ن أ و ت ف ر ض وا ل ه ن ف ر يض ة و م ت ع وه ن ع ل ى ال م وس ع ق د ر ه و ع ل ى ال م ق ت ر ق د ر ه م ت اع ا ب ال م ع ر وف ح ق ا ع ل ى ال م ح س ن ين * و إ ن ط ل ق ت م وه ن م ن ق ب ل أ ن ت م س وه ن و ق د ف ر ض ت م ل ه ن ف ر يض ة ف ن ص ف م ا ف ر ض ت م إ ال أ ن ي ع ف ون أ و ي ع ف و ال ذ ي ب ي د ه ع ق د ة الن ك اح و أ ن ت ع ف وا أ ق ر ب ل لت ق و ى و ال ت ن س و ا ال ف ض ل ب ي ن ك م إ ن هللا ب م ا ت ع م ل ون ب ص ير )سورة البقرة: آية ( فاهلل تعالى قس م المطلقات قسمين وأوجب المتعة لغير المفروض رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 139 2

10 140 متعة الطالق وعالقتها بالتعويض عن الطالق التعسفي ( ) لهن ونصف المسمى للمفروض لهن وذلك يدل على اختصاص كل قسم بحكمه )67(. - 2 إن إيجاب المتعة للمختلعة والمفتدية وهي المتسببة بالفرقة وقد بذلت المال لتفتدي نفسها يورث شيئا من التناقض فالزوج إنما رضي بفرقتها مقابل أن تدفع له عوض ا فأن يكلف بعد ذلك بدفع متعة لها فيه إجحاف بحقه فيكفيه أنه رضي بفرقتها مع أنه ليس كاره ا لها فالنفور جاء من قبلها فال يتحقق معنى اإليذاء لها وال اإليحاش وكسر الخاطر الذي يقع بالمرأة التي ط لقت بطالق من قبل الزوج بل إن الضرر واقع ومحتف بالزوج فأن يكلف بدفع متعة لها فيه من التنافي في المعاني والمقاصد ما ال يخفى. المسألة الخامسة: مذهب الكرخي والرازي من الحنفية )68( ومستندهم الشرعي. ومفاده وجوب المتعة للمطلقة غير المدخول بها سواء سمي لها المهر أو لم يسم إال أن المطلقة قبل الدخول التي سمي لها المهر يسقط مهرها وتثبت لها متعة مقدرة بنصف المهر المسمى والتي لم يسم لها المهر لها متعة غير مقدرة بمهر المثل. واستدلوا لما ذهبوا إليه بما يأتي: أوال: قوله تعالى: يا أ ي ه ا ال ذ ين آم ن وا إذ ا ن ك ح ت م ال م ؤ م ن ات ث م ط ل ق ت م وه ن من ق ب ل أ ن ت م س وه ن فما ل ك م ع ل ي ه ن من ع د ة ت ع ت د ون ه ا ف م ت ع وه ن و س ر ح وه ن سراحا جميال )69( فقد أوجب هللا تعالى المتعة في الطالق قبل الدخول من غير فصل بين ما إذا كان في النكاح تسمية أو لم يكن إال أن هذه المتعة قدرت بنصف المسمى بدليل آخر وهو قوله عز وجل ف ن ص ف ما ف ر ض ت م ) 70 (. ثانيا: ألن النكاح انفسخ بالطالق قبل الدخول والمعقود عليه عاد سليما إلى المرأة وسالمة البدل ألحد المتعاقدين يقتضي سالمة البدل اآلخر ألن المبدل إذا عاد سليما إلى المرأة فلو لم ي سل م البدل إلى الزوج الجتمع البدل والمبدل في ملك واحد في عقد المعاوضة وهذا ال يجوز. أقول: إن الذي ألجأهم لهذا التعليل هو قولهم بسقوط جميع المهر المسمى للمطلقة قبل الدخول فقالوا: الطالق قبل الدخول يسقط به المهر صورة ومعنى وإنما يجب للمطلقة نصف آخر ابتداء على طريق المتعة ال بالعقد )71(. وقد أشاروا إلى مذهبهم هذا في معرض حديثهم عم ا يسقط به المهر. واعترض على دليلهم بما يأتي: أوال: القول بأن الطالق فسخ النكاح ال يقبل بل هو تصرف في الملك بالقطع واإلبطال فيظهر أثره في المستقبل ثانيا: إن القول بسقوط المهر ثم إيجاب نصفه غير مفيد والشرع ال يرد بما ال فائدة فيه )72(. هذا وقد نص قانون األحوال الشخصية األردني )73( في المادة )55( على أنه إذا وقع الطالق قبل تسمية المهر وقبل الدخول والخلوة الصحيحة فعندئذ تجب المتعة. والمتعة تعين حسب العرف والعادة بحسب حال الزوج على أن ال تزيد عن نصف مهر المثل. يالحظ أن القانون أوجب المتعة لمن طلقت قبل الدخول ولم يسم لها المهر إال أنه أخرج المطلقة المدخول بها ومن ف رض لها المهر وطلقت قبل الدخول من دائرة الوجوب اكتفاء بما تستحقه من كامل المهر حال الدخول بها أو نصفه حال عدم الدخول. بينما أوجب مشروع قانون األحوال الشخصية السوري الجديد لسنة 2009 م المتعة لكل مطلقة ففي المادة 118: - 1 لكل مطلقة متعة طالق يقدرها القاضي ويعتبر فيها حال الزوج يسرا وحال الزوجة عسرا على أن ال تزيد على نفقة سنة. - 2 في جميع الحاالت: المتعة للطالق نفقة سنة حسب حال الزوج. رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

11 د. تمام عودة عبد هللا العساف ( ) القول المختار في حكم المتعة: بعد التأمل في أقوال الفقهاء أخلص إلى أن الحنفية والشافعية في القديم والحنابلة في رواية ال يوجبون المتعة إال لمن ط لقت قبل الدخول ولم ي فرض لها المهر وما سواها من المطلقات فهي على الندب واالستحباب أما المالكية فال يوجبونها ألي صنف من أصناف المطلقات وإنما هي على الندب واالستحباب بينما ذهب الشافعية في الجديد ورواية عند الحنابلة إلى أنها تجب لمن ط لقت بعد الدخول ولمن ط لقت قبل الدخول ولم ي سم لها المهر وت ندب للمطلقة قبل الدخول مع تسمية المهر. وذهب ابن حزم إلى أنها تجب لكل مطلقة مدخول بها أم ال س مي لها المهر أم ال كانت الفرقة بسببها أم من قبل الزوج. وعليه فصنف المطلقات المتفق على استحقاقه للمتعة على سبيل الوجوب عند القائلين بالوجوب هو من ط لقت قبل الدخول ولم ي سم لها المهر. والخالف في المطلقة المدخول بها والمطلقة قبل الدخول المفروض لها الصداق فهذان الصنفان نحا بعض الفقهاء إلى عدم إيجاب المتعة لهن معللين ما ذهبوا إليه بأن المدخول بها قد استحقت مهرها بالكامل ومن س م ي لها المهر وط لقت قبل الدخول لها شطر مهرها مع سالمة بضعها. أقول: ال ي سل م للشافعية ما ذهبوا إليه من عدم إيجابهم المتعة لمن س م ي لها المهر وطلقت قبل الدخول معللين ذلك بأنها تستحق نصف مهرها مع سالمة بضعها وذلك ألنهم أوجبوا المتعة للمدخول بها مع استحقاقها للمهر كامال ثم إن المتعة ما وجبت لفوات البضع بدليل أن الجميع أوجبها لمن ط لقت قبل الدخول ولم ي سم لها المهر مع أنها قد سلم لها بضعها. وال ي سل م للحنفية عدم إيجابهم المتعة للمدخول بها ولمن ط لقت قبل الدخول ولم ي سم لها المهر لما يلي: أوال : من المعروف أن اإلقدام على عقد الزوجية يتقدمه تعارف وتواد بين بيت الرجل وبيت المرأة ثم تكون الخطبة فالعقد وإذا طلق الرجل قبل الدخول فإن الناس يظنون بالمرأة من الظنون ما ال يظنون بها إذا طلقت بعد الدخول ألن المعاشرة هي التي تكشف لكل واحد عن طباع اآلخر فيحمل الطالق على تنافر الطباع وعدم المشاكلة في األخالق والعادات. وإذا كانت الغضاضة في الطالق قبل الدخول على ما ذكر فال جرم أن ذلك التواد الذي ظهرت بوادره قبل الخطبة وتمكن بالعقد يتحول إلى عداء وتباغض إال أن يدفع المطلق ذلك بالتي هي أحسن وهي المتعة الالئقة )74(. ثانيا: لم ا كانت العلة التي ألجلها شرع هللا سبحانه وتعالى المتعة للمطلقة هي جبر ما يلحقها من كسر وضرر وأذى معنوي ناجم عن انحالل ع رى الزوجية ذلك الرباط المقدس الذي ال يستهين في انفكاكه عاقل من رجل أو امرأة ولم ا كانت المرأة أشد تمسكا في الغالب من الرجل بهذا الوثاق المتين وأكثر عاطفة منه كان الضرر المعنوي الواقع عليها جر اء االنفصال أكثر إيالم ا وقسوة منه في حق الرجل فضال عن الضرر المادي الواقع على المطلقة والمتمثل بما يمكن أن تلوكه األلسن في حقها مما ي سفر ويقود إلى نفور عام من قبل األزواج وقلة رغبة في نكاحها وهذا اإليحاش والكسر والضرر المعنوي والمادي ال حق بكل مطلقة لحقها ضرر مادي ومعنوي بسبب الطالق سواء أط ل قت قبل الدخول أم بعده س م ي لها المهر أم لم يسم ألن ما ي قدمه الزوج من متاع لمن طلقها يوحي بشيء من التقدير لما كان بينهما من رباط وفيه إبقاء ومحافظة على دفء التعارف الذي ساد بين األسر المتصاهرة والذي ال ينبغي أن ي قطع فأن تحصل المطلقة على كامل حقها الذي قرره لها الشرع من الصداق وتوابعه ومن ثم ت متع من قبل الزوج فإن فيه رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 141 2

12 142 متعة الطالق وعالقتها بالتعويض عن الطالق التعسفي ( ) أبلغ داللة على أن الزوج ما تركها لشيء مشين يؤدي إلى تقليل الرغبات فيها فضال عن أن فيه سلوى وجبرا لخاطر المطلقة. ثاني ا: القضية ليست قضية مادية بحتة متمثلة بدفع المهر كله أو شطره ألن المقرر عند الفقهاء وألي بصير أن الضرر الحاصل بالمطلقة ضرر مادي ومعنوي فدفع المهر كله أو شطره على حسب حال المطلقة ال ي برئ بالكامل ما أصابها من جرح وكسر ألن العالقة الزوجية ليست عالقة مقايضة ومعاوضة مادية بحتة كسائر عقود المعاوضات. لذلك أرى رجحان ما ن سب لإلمام علي - رضي هللا عنه - وطائفة من الصحابة وابن حزم من وجوب المتعة لكل مطلقة ولكني أ خ ر ج من دائرة هذا الوجوب من طلبت الطالق برغبتها المنفردة أو تراضت مع الزوج عليه دون أن يكون السبب في ذلك راجعا إلى شيء من قبل الزوج لو لم يتسبب هو فيه لما طلبت الطالق أو رضيت به فال تجب لها المتعة إذ كانت هي الحريصة على الطالق دونما سبب مقبول يبرر لها ذلك من ناحية الزوج مثل مضارته الشديدة بها على أي نحو أو منعها حقا من حقوقها مما يلجئها إلى مفاداة نفسها منه وتجب لها المتعة فيما عدا ذلك ولو تم التفريق أمام القاضي بطلبها بسبب من قبله. فالحكمة من تشريع المتعة هي تطييب خاطر الزوجة وتخفيف األلم الذي لحقها بسبب الطالق وهذا المعنى متحقق في كل امرأة يطلقها زوجها بدون رضاها أو برضاها وطلب منها ولكن إليذاء وضرر من قبل الزوج فتكون مستحقة للمتعة تطييبا لخاطرها وتخفيفا لأللم عنها. المطلب الثاني: مقدار المتعة الواجبة. أوال: المعيار المقتضي لتقدير متعة الطالق. تباينت آراء الفقهاء المعيار المقتضي لتقدير متعة الطالق على ثالثة أقوال. )77( القول األول: المتعة معتبرة بحال الزوج وإليه ذهب بعض الحنفية )75( والمالكية )76( والشافعية في قول والحنابلة )78( في رواية وابن حزم )79(. ومستندهم في ذلك أن المطلقة انكسر خاطرها بالفراق والفراق جاء من قبل الزوج فروعي فيها حاله )80(. ولظاهر قوله تعالى: ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف )سورة البقرة: آية 236( يقول ابن حزم: لو أن هللا تعالى وكل المتعة إلى المتمتع للزم الوقوف عند أمره إال أن هللا تعالى ألزم الزوج بالمتعة على قدر اليسار واإلعسار فوجب بهذا الرجوع إلى ما صح عن الصحابة رضي هللا عنهم وقد كان فيهم المتناهي في اليسر ومن هو دون ذلك ومما يبين وجوب الرجوع إلى ما رآه الصحابة رضي هللا عنهم أنه متعة بالمعروف )81(. وقياسا على النفقة التي ي راعى فيها حال الزوج )82(. القول الثاني: المتعة معتبرة بحال الزوجين وإليه ذهب الحنفية في القول الراجح عندهم )83( والشافعية )84( في قول والحنابلة في رواية )85(. واستندوا لما ذهبوا إليه بقوله تعالى: ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وللمطلقات متاع بالمعروف. القول الثالث: المتعة معتبرة بحال الزوجة )86( وهو قول لبعض الحنفية )87( وقول للشافعية )88( ورواية عند الحنابلة )89(. ومستندهم في ذلك أن المهر معتبر بحال الزوجة كذلك المتعة القائمة مقامه )90(. أقول: ال يسلم لهم قولهم أنها قائمة مقام المهر ألنها ليست عوضا عن المهر بل هي تجب للمطلقة التي ط لقت بسبب من الزوج ولو استحقت المهر كامال فالعلة في إيجاب المتعة ليست فوات المهر وإنما جبر خاطر المطلقة وإيناس قلبها. ولو اعتبر بحال المرأة لما كان على رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

13 د. تمام عودة عبد هللا العساف ( ) الموسع قدره وعلى المقتر قدره )91(. ثانيا: الحد األعلى أو األدنى لمتعة الطالق. يشترط الحنفية )92( في قدر المتعة أال تزيد على نصف المهر وال تنقص عن خمسة دراهم. واستدلوا لعدم الزيادة على نصف مهر مثلها بأن الحق عند التسمية آكد وأثبت منه عند عدم التسمية وعند التسمية ال يزاد على نصف المسم ى فأال يزاد عند عدمها على نصف مهر المثل أولى. كما استدلوا الشتراط أن ال ينقص عن خمسة دراهم بأنه تجب على طريق العوض وأقل عوض ثبت في النكاح خمسة دراهم )93(. واعترض ابن حزم عليهم بقوله: هذا قول ال دليل عليه وهبك أنه قاس العشرة دراهم على ما تقطع فيه اليد فعلى أي شيء قاس الخمسة دراهم )94(. في حين يذهب المالكية إلى أن المتعة موكولة للزوج يعطي فيها ما طابت به نفسه من غير حكم يلزمه )95(. وللشافعية في مقدار المتعة ثالثة أقوال )96( : القول األول: أن ال تنقص المتعة عن ثالثين درهما أو ما قيمته ذلك وهذا أدنى المستحب وأعاله خادم وأوسطه ثوب. ومستندهم قول ابن عباس أعلى المتعة الخادم ودون ذلك النفقة والكسوة )97( ويسن عندهم أن ال تبلغ نصف المهر فإن بلغته أو جاوزته جاز إلطالق اآلية الكريمة. القول الثاني: ال تزيد المتعة وجوبا على مهر المثل في حال التنازع وفرض الحاكم أما إذا اتفق عليها الزوجان فتصح على ما اتفقا عليه. القول الثالث: ال يقدرها القاضي بشيء بل الواجب أقل مال متمول كما يجوز جعله صداقا )98(. وللحنابلة في مقدار المتعة ثالث روايات: األولى: وهي قول عند الشافعية )99( أعلى المتعة خادم وأدناها كسوة يجوز لها أن تصلي فيها إال أن يشاء هو أن يزيدها أو تشاء هي أن تنقصه )100( ومستندها قول ابن عباس أعلى المتعة الخادم ثم دون ذلك الكسوة وقدرها بكسوة تجوز لها الصالة فيها ألن الكسوة الواجبة بمطلق الشرع تتقدر بذلك كالكسوة في الكفارة والسترة في الصالة )101(. الرواية الثانية: وهي قول عند الشافعية )102( يرجع في تقديرها للحاكم )103( ومستندها أنه أمر لم يرد الشرع بتقديره وهو مما يحتاج إلى االجتهاد فيجب الرجوع فيه إلى الحاكم كسائر المجتهدات )104(. وهذا فيما إذا تشاحا في قدرها فإن سمح لها بزيادة على الخادم أو رضيت بأقل من الكسوة جاز ألن الحق لهما ال يخرج عنهما وهو مما يجوز بذله فجاز ما اتفقا عليه كالصداق )105(. الرواية الثالثة: أنها مقدرة بما يصادف نصف مهر المثل ألنها بدل عنه فيجب أن تتقدر به. وهذه الرواية تضعف لوجهين: أحدهما أن نص الكتاب يقتضي تقديرها بحال الزوج وتقديرها بنصف مهر المثل يوجب اعتبارها بحال المرأة ألن مهرها معتبر بها ال بزوجها. الثاني أنا لو قدرناها بنصف المهر لكانت نصف المهر إذ ليس المهر معينا في شيء وال المتعة )106(. القول المختار في مقدار المتعة. أقول: لم يرد في الشرع الحنيف تحديد مقدار المتعة وما قرره الفقهاء من تقدير تم ذكره فيما تقدم من سطور يناسب عصرهم وما يناسب عصر من االجتهادات البشرية ال يناسب عصر ا آخرا فإذا تراضى الرجل والمرأة على مقدار معين فإنه ينفذ قل ما تراضيا عليه أو كثر وهذا رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 143 2

14 144 متعة الطالق وعالقتها بالتعويض عن الطالق التعسفي ( ) ما ذهب إليه الشافعية حال االتفاق بين الرجل والمرأة. أما حال اختالفهما فإني أرى أن الحكمة والمصلحة تقتضي أن ت جعل من صالحيات القاضي ألن الشرع لم يرد بتقدير المتعة وتقديرها يحتاج إلى االجتهاد الختالفه باختالف أحوال الناس فيجب الرجوع فيه إلى القاضي كسائر األمور االجتهادية )107(. وهو ما اختاره الشافعية في قول والحنابلة في رواية وج عل تقدير المتعة من صالحيات القاضي ال يكون على إطالقه وإنما أرى وجوب إناطته بأمر منضبط وهو مهر المثل فيكون تحديد مقدار المتعة موكوال إلى القاضي على حسب ما يلحق المطلقة من ضرر مادي ومعنوي بشرط أن ال يزيد مقدارها على نصف مهر المثل. هذا وقد ذهب األستاذ الفاضل د. محمود السرطاوي )108( إلى أن تقدير المتعة من صالحيات القاضي بشرط أال تزيد عن مهر المثل وال تقدر بالمهر المسمى ألنه يفرض في أحوال كثيرة للمباهاة. وأنا أوافقه الرأي في عدم تحديد مقدار المتعة بالمهر المسمى ولكني أخالفه بجعل حدها األعلى مهر المثل وإنما أرى أال تزيد على نصف مهر المثل - وهو ما ذهب إليه الحنفية - ألن هذا متسق مع ما رجحته آنف ا من أن المتعة تجب لكل امرأة يطلقها زوجها بدون رضاها أو برضاها وطلب منها ولكن إليذاء وضرر من قبل الزوج سواء أتم الدخول بها أم ال ألنها تستحق كامل مهرها إن طلقت بعد الدخول بها ونصف المسمى أو نصف مهر المثل حال طالقها قبل الدخول باإلضافة إلى المتعة التي لن تتجاوز نصف مهر المثل. وفي هذا جبر ا لها من غير إجحاف بالرجل. المبحث الثالث: متعة الطالق والتعويض عن الطالق التعسفي المطلب األول: الحكم األصلي للطالق. الطالق في نظر اإلسالم عالج هدام. فهو كالبتر لبعض أعضاء الجسم ال يلجأ إليه األطباء إال اضطرارا إلنقاذ الحياة أو لدفع ضرر في الصحة أعظم من البتر. فكذلك ال ينبغي شرعا اللجوء إلى الطالق إال عندما تكون الحياة الزوجية غير منسجمة وال محققة لمقاصدها ومن ثم يعبر الفقهاء بأن الطالق شرع إلزالة سوء العشرة. ذلك ألن الطالق هو هدم لكيان األسرة الذي يبنيه الزواج. فهو ضرر ولكنه ضروري لدفع ضرر أعظم منه هو: سوء الحياة الزوجية وشقاؤها عندما يفقد التالؤم ويستحيل التفاهم لتنافر الطباع وتباين األخالق واستحكام الشقاق وعدم إمكان الزوجين أن يقيما حدود هللا تعالى بينهما )109(. فإذا لم توجد هذه الضرورة هل للرجل إيقاع الطالق. مما ال شك فيه أن لكل تصرف حكم ا شرعي ا بالنظر إلى طلب الشارع له أو منعه إياه فيكون واجبا أو مباحا أو مكروها أو حراما )110(. والطالق تصرف تعتريه هذه األحكام أو بعضها على حسب اختالف الفقهاء في ذلك )111(. إال أن الفقهاء اختلفوا في األصل في الطالق هل هو على الحظر أو اإلباحة على قولين: ذهب الحنفية )112( والمالكية )113( والحنابلة )114( إلى أن األصل في الطالق الحظر )115(. ومستندهم في ذلك قوله تعالى: ف إ ن أ ط ع ن ك م ف ال ت ب غ وا ع ل ي ه ن س ب يال إ ن هللا ك ان ع ل ي ا ك ب ير ا )سورة النساء: آية 34( فإنه نهى األزواج عن التعرض للزوجات إذا استقام أمرهن وصلح حالهن وهو مفيد تحريم اإلقدام على الطالق عند عدم الحاجة الداعية إليه )116(. ت ع ال ى كما استدلوا بما روي عن النبي - صلى هللا عليه وسلم - أنه قال: أ ب غ ض ال ح ال ل إلى هللا الط ال ق )117(. فالطالق من أشد أفراد خالف األولى فخالف األولى مبغوض والمكروه أشد رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

15 د. تمام عودة عبد هللا العساف ( ) مبغوضية وليس المراد بالبغض ما يقتضي التحريم بل المراد كونه ليس مرغوبا فيه لما فيه من اللوم وسر التعبير بالمبغوضية وإن كان المبغوض هو الحرام قصد التنفير ألن المراد بالحالل في الحديث الشريف ما ليس بحرام وليس القصد منه ما استوى طرفاه )118(. واستدلوا من المعقول بأن الطالق فيه قطع للنكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية واإلباحة للحاجة إلى الخالص )119(. والزواج عقد أبدي الزم والقياس يوجب أال ينهيه أحد العاقدين بإرادته المنفردة ولكن أجيز للحاجة فقط فإذا لم تكن ثمة حاجة يبقى القياس وهو المنع )120(. كما أن الطالق بدون سبب شرعي وبدون حاجة داعية إليه إيذاء للغير بغير حق وإيذاء الغير ممنوع ومحظور )121(. وذهب الشافعية )122( إلى أن كل الطالق مباح. ومستندهم في ذلك قوله تعالى: ال ج ن اح ع ل ي ك م إ ن ط ل ق ت م الن س اء م ا ل م ت م س وه ن أ و ت ف ر ض وا ل ه ن ف ر يض ة و م ت ع وه ن ع ل ى ال م وس ع ق د ر ه و ع ل ى ال م ق ت ر ق د ر ه م ت اع ا ب ال م ع ر وف ح ق ا ع ل ى ال م ح س ن ين )البقرة: آية 236(. الشاهد من اآلية الكريمة: إن هللا تبارك وتعالى أباح الطالق وما أبيح فليس بمحظور على أهله )123(. كما أن الطالق تصرف مملوك للزوج يحدثه بال سبب فيقطع به النكاح )124(. باإلضافة إلى أنه تصرف مشروع في ذاته والمشروعية ال تجامع الحظر )125(. ويستشف من قول الشافعية بأن للزوج إيقاع الطالق وقت ما شاء وال يترتب عليه بناء على ذلك أي مسؤولية أو تبعة. ويعترض عليهم: بأن رفع الجناح في اآلية راجع إلى إيقاع الطالق قبل الدخول وقبل تسمية المهر. وهو ال يدل على رفع اإلثم عن المطلق إذا أقدم على الطالق من غير سبب يدعو إليه الذي هو محل النزاع )126(. فالقيد هو المالحظ ألن نفي شيء مقيد بقيد يكون القيد مالحظا في النفي فهو منصب عليه )127(. ويشهد لخالف ما ذهبوا إليه أنه لم يثبت أن رسول صلى هللا عليه وسلم وصحابته قد أوقعوا الطالق لغير حاجة. والحاجة التي يباح لها الطالق هي الحاجة النفسية وغيرها مما ال يقع تحت سلطان القضاء )128(. فالطالق لغير الحاجة يعتبر كفرا بنعمة الزواج ويترتب عليه الضرر البالغ بالزوجة واألوالد )129(. وبناء على ما تقدم يترجح لي أن األصل في الطالق الحظر وهو الذي ينسجم مع مقاصد الشريعة اإلسالمية في الحفاظ على بنية األسرة وتماسكها كما أنه يتفق مع ما أحاطت به الشريعة الغراء من تدابير احترازية للحيلولة دون وقع الطالق. المطلب الثاني: حكم التعويض عن الطالق التعسفي: تطلق كلمة التعسف ويراد بها إساءة استعمال الحق بحيث يؤدي إلى ضرر بالغ بالغير )130(. ونظرية التعسف في استعمال الحق لها جذورها الراسخة في الفقه اإلسالمي حيث عمل بها الفقهاء وإن لم تكن معروفة عندهم بهذا االسم ولكنهم عرفوها وطبقوها في أحكامهم. ونظرية التعسف في استعمال الحق يمكن تطبيقها على حق الطالق عند بعض العلماء المعاصرين )131(. وقد اختلف العلماء المعاصرون في حكم التعويض عن الطالق التعسفي على قولين: القول األول: ومفاده المنع من تعويض المطلقة طالقا تعسفيا اكتفاء بالمتعة التي شرعها هللا تعالى وهو اختيار طائفة من العلماء المعاصرين منهم د. وهبة الزحيلي )132( د. بدران أبو العينين )133( د. محمد أبو زهرة )134( زكي الدين شعبان ومحمد بلتاجي وغيرهم. القول الثاني: ومفاده وجوب التعويض لمن ط ل قت طالقا تعسفيا. وإليه ذهب الدكتور مصطفى رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 145 2

16 146 متعة الطالق وعالقتها بالتعويض عن الطالق التعسفي ( ) السباعي )135( والدكتور أحمد الغندور )136( والدكتور عبد الرحمن الصابوني )137(. وينسب البعض )138( للدكتور وهبة الزحيلي القول بوجوب التعويض وهذا كالم غير دقيق إذ يقول د.الزحيلي: إذا حدث الطالق من غير حاجة أو سبب يدعو إليه فإنه يقع باالتفاق ولكن المطلق يأثم ألن الحاجة قد تكون تقديرية أو نفسية خفية ال تخضع لإلثبات الظاهر في القضاء وقد تكون مما يجب ستره حفظا لسمعة المرأة ومنعا من التشهير بها لهذا كان األصح أال يحكم على الرجل بتعويض مادي للمطلقة بسبب كون الطالق تعسفيا ويكتفى بما يقرره الشرع بدفع مؤخر الصداق ونفقة العدة والمتعة التي هي تعويض عن الضرر الناجم عن الطالق )139(. واستدل المانعون للتعويض بجملة من األدلة بيانها كاآلتي: أوال: إن الحاجة إلى الطالق قد تكون نفسية وقد تكون مما يجب ستره وهي في كل أحوالها أو جل ها ال يجوز أن تعرض بين أنظار القضاء ويتنازعها الخصوم فيما بينهم شدا وجذبا )140( فإن أريد معرفة ما إذا كان هناك تعسف في استعمال الحق أم ال فإن على القاضي أن يفحص البواعث التي دعت إلى الطالق وبهذا فإن التعويض في كثير من الحاالت مع فساد الذمم في هذا الزمان ال يحقق الهدف الذي شرع من أجله وهو جبر الضرر الناشئ عن الطالق بل فيه زيادة للضرر واتساع لنطاقه )141(. ويعترض عليه: بأنه ال خالف في أن كشف األسرار أمام المحاكم ال يجوز ولكن ليس على العموم فالقضاء يفرق بين الزوجين للعيوب ولعدم اإلنفاق ولغيبة الزوج عن زوجته )142(. كما أن القضاء يتدخل في أمور شديدة الحساسية يحرص المرء غاية الحرص على إخفائها كالعيوب الجنسية وهي تعرض على القضاء كما أن كثيرا من األمور المادية كاإلعسار وعدم النفقة يطلع عليها القضاء وقد أصبح كل ذلك من األمور التي يختص القضاء بالنظر فيها والفصل في خصومها. وأما الدوافع النفسية التي تحمل الزوج على الطالق فهذا مما ال يجوز للغير أن يطلع عليه ولكن ليست كل أسباب الطالق نفسية )143(. ثانيا: يترتب على القول بإلزام الزوج بتعويض إلزام بالمعيشة مع زوجة ال يتحقق معها األهداف العليا من الزوجية وهذا يبعد الزواج عن مقاصده ويجعله عالقة مفروضة على إرادة الزوجين ثم إن ما يترتب على الطالق من التبعات المالية كدفع مؤخر الصداق ونفقة العدة والمتعة لمن تجب لها من المطلقات يعد تعويضا للزوجة عن الضرر الذي يكون قد لحقها بسبب الطالق )144(. ويعترض عليه: بأنه ال خالف في أن المصلحة أن ال يعاشر المرء شخصا ال ينسجم معه ولكن من الواجب أال يترك الزوج زوجته عرضة للبؤس والفقر فإذا ما أراد الطالق وكانت الزوجة بحاجة إلى معونة ومساعدة فيجب عليه أن يعوض لها عن ذلك الطالق إن لم يكن الطالق بسببها )145(. ثالثا: إن مبدأ التعويض عن الطالق مرفوض ألنه يتناول المدخول بها وغيرها وطالق غير المدخول بها وقائي منعا لفساد متوقع فال مبرر للتعويض عنه كما أن الزوجة لم تخسر شيئا تستحق التعويض عنه بل الزوج هو الذي خسر نصف المهر )146(. ويعترض عليه: بأنه إذا أساء الزوج وجب عليه أن التعويض لزوجته على أن ال يتناول كل طالق كالطالق بحكم القاضي بناء على طلب الزوجة فهذا ال تعويض فيه بل اإلنصاف يقتضي أن كل حالة طلقت فيها الزوجة نفسها وأساءت استعمال هذا الحق بحيث لو طلقها زوجها بمثل هذه الحالة وجب عليه التعويض فإننا ال نرى مبررا للتفرقة بين تعسف الزوج في طالقه وتعسف الزوجة إذ في كل من الحالتين ضرر يصيب اآلخر )147(. رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

17 د. تمام عودة عبد هللا العساف ( ) رابعا: المسؤولية التعاقدية تكون ناشئة من طبيعة عقد الزواج أي من مقتضاه في الشريعة وطبيعة عقد الزواج على ما هو مقرر ثابت ال توجب تعويض الزوجة إذا طلقت إال أن يكون لها مؤخر صداق أو تجب المتعة وال تعويض يجب للمطلقة واألمر في الزواج على األخالق والدين وال يغني عنهما شيء )148(. ويعترض عليه: بأن تعويض المطلقة أمر قرره الشرع حين أوجب المتعة وهي مال يدفعه الزوج لمطلقته جبرا لها عما أصابها من اإليحاش بالطالق. فليس في التعويض مخالفة لما جاء في القرآن الكريم )149(. فاهلل تعالى لما أعطى الزوج حق الطالق جعل من ضميره الحي رقيبا على تصرفاته فال يطلق إال لحاجة وإال كان كافرا لنعمة الزواج التي قدسها هللا. وهذا الحكم الدياني كان كفيال أن ال يطلق الزوج زوجته إال حين يعتقد أن المصلحة تقتضي ذلك إذ لم تعد الحياة المشتركة تصلح بينهما. واليوم وقد بعد الناس عن دينهم ال نجد مناصا من أن يتدخل القضاء في تصرفات المكلفين )150(. هذا وينسب البعض للدكتور وهبة الزحيلي القول بوجوب التعويض وهذا النسبة غير صحيحة ألن الزحيلي يقول: إذا حدث الطالق من غير حاجة أو سبب يدعو إليه فإنه يقع باالتفاق ولكن المطلق يأثم ألن الحاجة قد تكون تقديرية أو نفسية خفية ال تخضع لإلثبات الظاهر في القضاء وقد تكون مما يجب ستره حفظا لسمعة المرأة ومنعا من التشهير بها لهذا كان األصح أال يحكم على الرجل بتعويض مادي للمطلقة بسبب كون الطالق تعسفيا ويكتفى بما يقرره الشرع بدفع مؤخر الصداق ونفقة العدة والمتعة التي هي تعويض عن الضرر الناجم عن الطالق )151(. استدل الموجبون للتعويض بجملة من األدلة بيانها كاآلتي: أوال: إن المتعة أساس تشريعي للحكم بالتعويض عند اإلساءة في استعمال حق إيقاع الطالق فللقاضي معاقبة من يسيء استعمال حق الطالق بتعويض المرأة بقدر مالي سواء أكان دفعة واحدة أو على أقساط حتى تتزوج أو تموت زجرا ألمثاله عن إساءة استعمال ما خوله الشارع لهم من حق التطليق ألن الفقهاء حين قرروا ما قرروا من أحكام إنما قرروها لمن يستعمل حقه استعماال لم يترتب عليه ضرر ظاهر بالمرأة )152(. ويعترض عليه: بأن ما يلزم المطلق من التبعات المالية التي تترتب على الطالق والتي تستفيد منها الزوجة كدفع مؤخر الصداق والقيام باإلنفاق على المطلقة طوال مدة العدة والمتعة لمن تجب لها من المطلقات يعتبر كتعويض للزوجة عن الضرر الذي يكون قد لحقها بسبب الطالق فال يكون هناك حاجة إلى تقرير تعويض آخر زيادة على ما أوجبه الشارع وألزم المطلق به )153(. ثانيا: إن عقدا جعله هللا من أوثق العقود ال يجوز أن يكون ألعوبة في أيدي الناس وإن مستقبل األسر واألوالد ال يجوز أن يكون بمنأى عن تفكير المشرع ورقابته. فإذا أساء الزوج استعمال حقه في الطالق وجب عليه التعويض لزوجته )154(. ويعترض عليه: بأن الطالق وإن كان الأصل فيه الحظر والمنع وال يباح إيقاعه إال للحاجة لكن هذه الحاجة تقديرية وقد تكون نفسية ال تجري عليها وسائل اإلثبات. فالطالق من هذه الناحية يشبه ما يسمى في القانون بالحق التقديري وهو الذي يكون صاحب الحكم الوحيد في تقدير الواجب الملقى على عاتقه حين يستعمل هذا الحق والحق التقديري ال يوصف من يستعمله بالتعسف وال يؤدي استعماله إلى مسؤولية صاحبه تطبيقا لنظرية التعسف في استعمال الحق وذلك لخروجه عن نطاق هذه النظرية. وفي إلزام الزوج بالتعويض إرغام له - ولو بطريقة غير مباشرة على رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 147 2

18 148 متعة الطالق وعالقتها بالتعويض عن الطالق التعسفي ( ) االستمرار في معيشة مشتركة ال تحقق المثل األعلى الذي أقامه لنفسه ومثل هذا اإلرغام يخرج الزواج عما شرع له ويجعله عالقة مفروضة على إرادة الطرفين وليست قائمة على التقدير المتبادل المبني على الرغبة المشتركة ومثل هذه الحالة تأباها كرامة الزوجة بال شك )155(. ثالثا: الحكم بالتعويض يحقق العدل ويستند للسياسة الشرعية ألن الشريعة تأبى أن تصبح المرأة معرضة للفاقة والحرمان بسبب تعنت الزوج وظلمه في ذلك الطالق. ويمكن أن يستند الحكم بالتعويض إلى المتعة التي رغب القرآن في إعطائها لكل مطلقة )156(. ويعترض عليه: بأن هللا تعالى أوجب التعويض للمطلقة في صورة المتعة الواجبة عندما يستقل الرجل باستعمال حقه في الطالق. وسواء أكان الطالق قبل الدخول أو بعده وسواء كان المهر سمي أو لم يسم. فلمن طلقت قبل الدخول المتعة فقط )سواء سميت نصف المهر أو لم تحسن ألن المهر نفسه لم يسم( ولمن طلقت بعد الدخول المهر بالدخول والمتعة تعويض ا )157(. والمطالبون بالتعويض عن الطالق التعسفي غايتهم أن يفكر الزوج في عاقبة أمره قبل أن يقدم على تطليق امرأته. والشريعة العادلة أرفق بالمرأة وأرحم وأسبق إلى ما فكروا فيه فقد أوجبت لها التعويض باسم المتعة سواء أساء الرجل في استعمال حقه أو أحسن ألن في استقالله بالطالق إساءة لها وإيحاشا على كل حال. ومن الظلم للمرأة أال تقرر القوانين لها هذا الحق ولو قررته لفكر الرجل في أمر الطالق كثيرا قبل أن ي قدم عليه )158(. مما تقدم من أدلة كال الفريقين واعتراضاتهما يتبين لي أن العمل بالقول الموجب المتعة لكل مطلقة كان الزوج سببا في طالقها - غنى عن القول بالتعويض عن الطالق سي ما إذا التفتنا إلى المحاذير التي تنجم عن القول بوجوب التعويض من كشف لألسرار وإثارة لألقاويل وهتك للستر ألن الزوج قد يحاول أن يدفع عن نفسه التعويض بشتى السبل. فالشريعة اإلسالمية التفتت لألضرار الناجمة عن الطالق باإلرادة المنفردة من قبل الزوج وسعت إلى ترميم هذه األضرار بتشريع المتعة. لتشمل كل مطلقة لم يكن لها يد في إيقاع الطالق مما يغني عن الخوض في تفاصيل الطالق والكوامن التي أدت إليه وتقصي أسباب وقوعه فلم ي صار إلى التعويض. يقول د. محمد الزحيلي: إن متعة الطالق هي الصورة الشرعية والعالج الفقهي لتعويض المرأة عن الطالق وللتخفيف عما أصابها من أضرار مادية ومعنوية وإن هذه المتعة شاملة لكل مطلقة )159(. هذا وقد ذهبت قوانين األحوال الشخصية الحديثة إلى أن األصل في الطالق إذا وقع أن يكون تعسفيا وال حاجة للزوجة إلثبات ذلك وإنما على الزوج أن يثبت أن الطالق كان مشروعا وله أسباب مشروعة تقتضيه وهي تبني بهذا على أساس إن األصل في الطالق الحظر )160(. تنص المادة )134( من قانون األحوال الشخصية األردني: إذا طلق الزوج زوجته تعسفيا كأن طلقها لغير سبب مشروع وطلبت من القاضي التعويض حكم لها على مطلقها بتعويض ال يقل عن نفقة سنة وال يزيد على نفقة ثالث سنوات ويراعى في فرضها حال الزوج عسرا أو يسرا ويدفع جملة إذا كان الزوج موسرا وأقساطا إذا كان معسرا وال يؤثر ذلك على حقوقها الزوجية األخرى. وتنص المادة )140( من قانون األحوال اإلماراتي: إذا طلق الزوج زوجته المدخول بها في زواج صحيح بإرادته المنفردة ومن غير طلب منها استحقت متعة غير نفقة العدة بحسب حال الزوج وبما ال يجاوز نفقة سنة ألمثالها ويجوز للقاضي تقسيطها حيث يسار الزوج وإعساره ويراعى في تقديرها ما أصاب الزوجة من ضرر. رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

19 د. تمام عودة عبد هللا العساف ( ) يالحظ أن القانون اإلماراتي يلزم الزوج بدفع متعة للمطلقة المدخول بها إن ط ل قت لسبب من قبل الزوج وأنه يجعل هذه المتعة من قبيل التعويض عن الضرر الذي لحقها بالطالق. ورغم أن المتعة تشبه لتعويض في بعض األوجه إال أنها تتميز على التعويض بوجوه منها: * إن وجوب المتعة جاء بنص خاص ظاهر الداللة على وجوبها أما التعويض فهو جزاء في نظرية التعسف دل على مشروعيتها جزئيات متعددة ولهذا فإن المتعة آكد في الوجوب من التعويض في الفقه اإلسالمي )161(. * إن التعويض في قانون األحوال الشخصية األردني إنما يجب في حالة إيقاع الزوج الطالق على زوجته فقط فنص المادة 134 قيد نطاق وجوب التعويض بحاالت الطالق التي يوقعها الزوج بإرادته المنفردة فال تدل المادة على وجوب التعويض في حاالت فسخ النكاح إذا كان هو المتسبب بالفسخ وال في حاالت إيقاع الطالق من قبل القاضي. أما المتعة فنطاقها عند جمهور الفقهاء في جميع حاالت الفرقة سواء أكانت طالقا أو فسخا وسواء أكان الطالق قد وقع من الزوج أو من القاضي مع اختالف بين الفقهاء في حاالت الفسخ التي توجب المتعة وبناء على ذلك يمكننا القول أن نطاق المتعة أوسع من نطاق التعويض )162(. * تجب المتعة للمطلقة في الفقه اإلسالمي عند تحقق سبب الوجوب على الخالف بين الفقهاء في السبب الموجب للمتعة وال يسمح للمطلق أن يثير األسباب التي دفعته للطالق أما في التعويض عن الطالق فقد سمح القانون للمطلق حتى يدفع عن نفسه التعويض أن يثير األسباب التي دعته للطالق فإن كانت أسبابا معقولة كلف إلثباتها في حالة اإلنكار فإن أثبتها فال يحكم للمطلقة بالتعويض )163(. الخاتمة: وفيها أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة: ** اإلجماع متحقق على مشروعية متعة الطالق ومستند اإلجماع اآليات الكريمة التي نص ت على المتعة في سورتي: البقرة واألحزاب. ** اختلف الفقهاء في درجة مشروعية المتعة على قولين: األول: أنها مستحبة لكل مطلقة وال تجب على أحد سواء سم ي المهر للمطلقة أم لم يسم حصل الدخول أم لم يحصل. الثاني: متعة الطالق واجبة ألصناف محددة من المطلقات ومع ذلك لم تتفق كلمة هذا الفريق من الفقهاء على صنف بعينه وإنما اختلفوا على ثالثة أقوال: األول: أنها تجب لكل مطلقة. الثاني: انها تجب لكل مطلقة ويستثنى من ذلك المطلقة قبل الدخول التي فرض لها صداقا فهذه تستحق نصف ما فرض لها من الصداق. الثالث: أنها تجب فقط للمطلقة قبل الدخول إذا لم يسم لها مهرا. ** اختلف الفقهاء في المقدار الواجب لمتعة الطالق على أقوال. ** توصلت الدراسة بعد النظر والتقصي لألدلة وإمعان النظر في أقوال الفقهاء إلى أن المتعة تجب لكل امرأة يطلقها زوجها بدون رضاها أو برضاها وطلب منها ولكن إليذاء وضرر من قبل الزوج سواء تم الدخول بها أم ال وتناط صالحية تقدير المتعة بالقاضي على حسب ما لح ق المطلقة من ضرر مادي أو معنوي بشرط أن ال تزيد عن نصف مهر المثل. رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 149 2